الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: يَتَخَيَّرُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَيْنَ عِتْقٍ كَالظِّهَارِ، وَإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ حَبٍّ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ، وَكِسْوَتِهِمْ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً كَقَمِيصٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ إزَارٍ لَا خُفٍّ وَقُفَّازَيْنِ وَمِنْطَقَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ سَرَاوِيلُ صَغِيرٍ لِكَبِيرٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ، وَقُطْنٌ، وَكَتَّانٌ وَحَرِيرٌ لِامْرَأَةٍ، وَرَجُلٍ وَلَبِيسٍ لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
الشَّرْحُ: فِي صِفَةِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَاخْتَصَّتْ مِنْ بَيْنِ الْكَفَّارَاتِ بِكَوْنِهَا مُخَيَّرَةً فِي الِابْتِدَاءِ، مُرَتَّبَةً فِي الِانْتِهَاءِ، وَالصَّحِيحُ فِي سَبَبِ وُجُوبِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْحِنْثُ وَالْيَمِينُ مَعًا (يَتَخَيَّرُ) الْمُكَفِّرُ (فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَيْنَ عِتْقٍ) فِيهَا (كَالظِّهَارِ) أَيْ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ كَفَّارَتُهُ بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ فِي بَابِهِ مِنْ كَوْنِهَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِعَمَلٍ أَوْ كَسْبٍ (وَ) بَيْنَ (إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ حَبٍّ) أَوْ غَيْرِهِ (مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ) كَالْفِطْرَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ هُنَا (وَ) بَيْنَ (كِسْوَتِهِمْ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً) مِمَّا يُعْتَادُ لُبْسُهُ (كَقَمِيصٍ، أَوْ عِمَامَةٍ؛ أَوْ إزَارٍ) أَوْ رِدَاءٍ، أَوْ طَيْلَسَانٍ، أَوْ مِنْدِيلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِي الْيَدِ، أَوْ مِقْنَعَةٍ، أَوْ جُبَّةٍ، أَوْ قَبَاءٍ، أَوْ دِرْعٍ مِنْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ قَمِيصٌ لَا كُمَّ لَهُ، وَوَقَعَ لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّ الدِّرْعَ يَكْفِي، وَهُوَ سَهْوٌ (لَا خُفٍّ وَقُفَّازَيْنِ) وَمُكْعَبٍ، وَهُوَ الْمَدَاسُ، وَنَعْلٍ (وَمِنْطَقَةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَقَلَنْسُوَةٍ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسَمَّى كِسْوَةً كَدِرْعٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَيُجْزِئُ فَرْوٌ وَلِبَدٌ اُعْتِيدَ فِي الْبَلَدِ لُبْسُهُمَا، وَلَا يُجْزِئُ التُّبَّانُ وَهُوَ سِرْوَالٌ قَصِيرٌ لَا يَبْلُغُ الرُّكْبَةَ، وَلَا الْخَاتَمُ، وَالتِّكَّةُ، وَالْعِرْقِيَّةُ. وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِشَيْخِنَا أَنَّهَا تَكْفِي، وَرُدَّ بِأَنَّ الْقَلَنْسُوَةَ لَا تَكْفِي كَمَا مَرَّ وَهِيَ شَامِلَةٌ لَهَا، وَحَمَلَهُ شَيْخِي عَلَى الَّتِي تُجْعَلُ تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْلَى مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَصْحَابِ (وَلَا يُشْتَرَطُ صَلَاحِيَّتُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكِسْوَةِ (لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ سَرَاوِيلُ صَغِيرٍ لِكَبِيرٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ وَ) يَجُوزُ (قُطْنٌ وَكَتَّانٌ وَحَرِيرٌ) وَشَعْرٌ وَصُوفٌ مَنْسُوجٌ كُلٌّ مِنْهَا (لِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ) لِوُقُوعِ اسْمِ الْكِسْوَةِ عَلَى ذَلِكَ (وَلَبِيسٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَكْسُورَةٌ بِمَعْنَى مَلْبُوسٍ (لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ) فَإِنْ ذَهَبَتْ بِحَيْثُ صَارَ مُسْحَقًا لَمْ يَجُزْ، وَلَا بُدَّ مَعَ بَقَاءِ قُوَّتِهِ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَخَرِّقٍ وَلَا يُجْزِئُ جَدِيدٌ مُهَلْهَلُ النَّسْجِ إذَا كَانَ لُبْسُهُ لَا يَدُومُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَدُومُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْبَالِي لِضَعْفِ النَّفْعِ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ نَجِسُ الْعَيْنِ مِنْ الثِّيَابِ، وَيُجْزِئُ الْمُتَنَجِّسُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِنَجَاسَتِهِ، وَيَجُوزُ مَا غُسِلَ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصَّلَاحِيَّةِ كَالطَّعَامِ الْعَتِيقِ لِانْطِلَاقِ الْكِسْوَةِ عَلَيْهِ، وَكَوْنِهِ يُرَدُّ فِي الْبَيْعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِهَا كَالْعَيْبِ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ فِي الرَّقِيقِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ جَدِيدًا خَامًا كَانَ أَوْ مَقْصُورًا لِآيَةِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَلَوْ أَعْطَى عَشَرَةً ثَوْبًا طَوِيلًا لَمْ يُجْزِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَهُ قِطَعًا ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى قِطْعَةٍ تُسَمَّى كِسْوَةً، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: عَشَرَةَ مَسَاكِينَ مَا إذَا أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ، كَمَا لَا يُجْزِئُ إعْتَاقُ نِصْفِ رَقَبَةٍ وَإِطْعَامُ خَمْسَةٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ التَّخْيِيرُ لِلْعَبْدِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فَلَا يُكَفِّرُ بِالْمَالِ بَلْ بِالصَّوْمِ كَالْمُعْسِرِ، فَإِنْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ لَمْ يُجْزِهِ مَعَ الْيَسَارِ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ تَرِكَتِهِ أَقَلُّ الْخِصَالِ قِيمَةً، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَخْيِيرَ إلَّا إنْ اسْتَوَتْ قِيمَتُهَا (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ) كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ (الثَّلَاثَةِ) الْمَذْكُورَةِ (لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ). تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْعَجْزِ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْمَالِ الَّذِي يَصْرِفُهُ فِي الْكَفَّارَةِ كَمَنْ يَجِدُ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ فَقَطْ، وَلَا يَجِدُ مَا يَفْضُلُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَا: وَمَنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ فِي الْأَخْذِ، فَكَذَا فِي الْإِعْطَاءِ، وَقَدْ يَمْلِكُ نِصَابًا وَلَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ، وَلَهُ أَخْذُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَا لَوْ أَسْقَطْنَا الزَّكَاةَ خَلَا النِّصَابُ عَنْهَا بِلَا بَدَلٍ، وَالتَّكْفِيرُ بِالْمَالِ لَهُ بَدَلٌ وَهُوَ الصَّوْمُ.
المتن: وَلَا يَجِبُ تَتَابُعُهَا فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ غَابَ مَالُهُ انْتَظَرَهُ وَلَمْ يَصُمْ، وَلَا يُكَفِّرُ عَبْدٌ بِمَالٍ إلَّا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً، وَقُلْنَا يَمْلِكُ، بَلْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ وَإِنْ ضَرَّهُ وَكَانَ حَلَفَ وَحَنِثَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ صَامَ بِلَا إذْنٍ، أَوْ وُجِدَا بِلَا إذْنٍ لَمْ يَصُمْ إلَّا بِإِذْنٍ، وَإِنْ أَذِنَ فِي أَحَدِهِمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْحَلِفِ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَلَهُ مَالٌ يُكَفِّرُ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ لَا عِتْقٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَجِبُ تَتَابُعُهَا فِي الْأَظْهَرِ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. وَالثَّانِي يَجِبُ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ " وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ كَمَا أَوْجَبْنَا قَطْعَ يَدِ السَّارِقِ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فِي قَوْلِهِ: " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا "، وَلِأَنَّ مِنْ قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْ جِنْسِهِ، وَهُوَ الظِّهَارُ وَالْقَتْلُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ آيَةَ الْيَمِينِ نَسَخَتْ مُتَتَابِعَاتٍ تِلَاوَةً وَحُكْمًا، فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا، بِخِلَافِ آيَةِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا نُسِخَتْ تِلَاوَةً لَا حُكْمًا، وَبِأَنَّ الْمُطْلَقَ هَهُنَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يَجِبُ التَّتَابُعُ فِي أَحَدِهِمَا، وَهُوَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، وَلَا يَجِبُ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ قَضَاءُ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ فِي التَّتَابُعِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخِرِ، لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ: حَمْلُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْكَفَّارَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ (وَإِنْ غَابَ مَالُهُ) إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ دُونَهَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ إطْلَاقُهُمْ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ (انْتَظَرَهُ وَلَمْ يَصُمْ) لِأَنَّهُ وَاجِدٌ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الصَّوْمُ إذَا لَمْ يَجِدْ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُتَمَتِّعُ إذَا أُعْسِرَ بِالدَّمِ بِمَكَّةَ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بِبَلَدِهِ مَالٌ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ هُنَاكَ اُعْتُبِرَتْ بِمَكَّةَ فَلَا يُنْظَرُ إلَى غَيْرِهَا، وَالْقُدْرَةُ هُنَا اُعْتُبِرَتْ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ غَائِبٌ تَيَقَّنَ حَيَاتَهُ جَازَ لَهُ إعْتَاقُهُ، بِخِلَافِ مُنْقَطِعِ الْخَبَرِ فِي الْأَصَحِّ (وَلَا يُكَفِّرُ عَبْدٌ بِمَالٍ) لِعَدَمِ مِلْكِهِ (إلَّا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً) لِيُكَفِّرَ بِهِمَا أَوْ مَلَّكَهُ مُطْلَقًا وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّكْفِيرِ (وَقُلْنَا: يَمْلِكُ) بِالتَّمْلِيكِ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: " سَيِّدُهُ " يَقْتَضِي أَنَّ تَمْلِيكَ غَيْرِ السَّيِّدِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا سَوَاءٌ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مَا إذَا مَلَّكَهُ رَقِيقًا لِيَعْتِقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَفَعَلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَنْهَا، لِامْتِنَاعِ الْوَلَاءِ لِلْعَبْدِ، وَحُكْمُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ حُكْمُ الْعَبْدِ. فَإِنْ قِيلَ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُطْلِقَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْقِنُّ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ: وَقُلْنَا: يَمْلِكُ وَالْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ قَطْعًا، وَلَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَبِ فِي التَّكْفِيرِ بِالْإِعْتَاقِ فَأَعْتَقَ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَاهُ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ نَقَلَا هُنَا عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ ذِمَّتَهُ تَبْرَأُ بِذَلِكَ (بَلْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ) لِعَجْزِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ فِي ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَرْعَشِيُّ وَغَيْرُهُ (وَإِنْ ضَرَّهُ) الصَّوْمُ لِشِدَّةِ حَرٍّ، أَوْ طُولِ نَهَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَكَانَ يَضْعُفُ عَنْ الْعَمَلِ بِسَبَبِهِ (وَكَانَ حَلَفَ وَحَنِثَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (صَامَ بِلَا إذْنٍ) وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرَاخِي لِصُدُورِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ عَنْ إذْنِ السَّيِّدِ (أَوْ وُجِدَا) أَيْ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ (لَمْ يَصُمْ إلَّا بِإِذْنٍ) مِنْهُ قَطْعًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَلِفُ وَاجِبًا أَمْ جَائِزًا أَمْ مَمْنُوعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي السَّبَبِ، وَحَقُّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرَاخِي، فَإِنْ صَامَ بِلَا إذْنٍ أَجْزَأَهُ: كَمَا لَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِلَا إذْنٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ، أَوْ حَجَّ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَجِّ (وَإِنْ أَذِنَ) لَهُ (فِي أَحَدِهِمَا) فَقَطْ (فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ) إذْنِ السَّيِّدِ لَهُ فِي (الْحَلِفِ) فَإِذَا حَلَفَ بِإِذْنِهِ وَحَنِثَ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَامَ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْحَلِفِ إذْنٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: الِاعْتِبَارُ بِالْحِنْثِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَانِعَةٌ مِنْهُ، فَلَيْسَ إذْنُهُ فِيهَا إذْنًا فِي الْتِزَامِ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَةِ، وَنَقَلَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَأَحَالَا الْمَسْأَلَةَ هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ، بَلْ قِيلَ: إنَّ مَا فِي الْمُحَرَّرِ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ الْحِنْثِ إلَى الْحَلِفِ، لَكِنَّ الْمُحَرَّرَ يَتْبَعُ الْبَغَوِيَّ كَثِيرًا كَمَا اُسْتُقْرِئَ مِنْ كَلَامِهِ، وَالْبَغَوِيُّ صَحَّحَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْحَلِفِ وَخَرَجَ بِيَضُرُّهُ الصَّوْمُ مَا إذَا لَمْ يَضُرَّهُ فَلَهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَبِالْعَبْدِ الْأَمَةُ فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهَا مِنْ الصَّوْمِ وَإِنْ لَمْ تَتَضَرَّرْ بِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا نَاجِزٌ (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَلَهُ مَالٌ يُكَفِّرُ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ) وَلَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِيَسَارِهِ كَمَا أَنَّهُ إذَا وَجَدَ ثَمَنَ الْمَاءِ أَوْ الثَّوْبِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَيَمِّمًا أَوْ عَارِيًّا (لَا عِتْقٍ) لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ الْمُتَضَمِّنَ لِلْوِلَايَةِ وَالْإِرْثِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِمَا، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ مَالِكُ بَعْضِهِ: إذَا أَعْتَقْت عَنْ كَفَّارَتِكَ فَنَصِيبِي مِنْك حُرٌّ قُبَيْلَ إعْتَاقِك عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ مَعَهُ فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَةِ نَفْسِهِ فِي الْأُولَى قَطْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَلِلسَّيِّدِ التَّكْفِيرُ عَنْهُ بِالْمَالِ وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ إذْ لَا رِقَّ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهُوَ وَالْحُرُّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ وَلَا يُكَفِّرُ عَنْهُ بِالْعِتْقِ لِنَقْصِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْوَلَاءِ.
المتن: حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا أَوْ لَا يُقِيمُ فِيهَا فَلْيَخْرُجْ فِي الْحَالِ، فَإِنْ مَكَثَ بِلَا عُذْرٍ حَنِثَ، وَإِنْ بَعَثَ مَتَاعَهُ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ: كَجَمْعِ مَتَاعٍ وَإِخْرَاجِ أَهْلٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ لَمْ يَحْنَثْ.
الشَّرْحُ: [ فَصْلٌ ] فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةِ وَالدُّخُولِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: إذَا (حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا) أَيْ دَارًا مُعَيَّنَةً (أَوْ لَا يُقِيمُ فِيهَا) وَهُوَ فِيهَا عِنْدَ الْحَلِفِ (فَلْيَخْرُجْ فِي الْحَالِ) بِبَدَنِهِ بِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ الْحِنْثِ وَإِنْ بَقِيَ أَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ فَإِنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَلَا يُكَلَّفُ فِي خُرُوجِهِ عَدْوًا، وَلَا هَرْوَلَةً، وَلَا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِهَا الْقَرِيبِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ لَهُ بَابٌ مِنْ السَّطْحِ فَخَرَجَ مِنْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ بِالصُّعُودِ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ نِيَّةُ التَّحَوُّلِ لِيَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاكِنِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَخْرُجَ وَيَعُودَ، وَيُومِئُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، وَيَخْرُجُ بِبَدَنِهِ مُتَحَوِّلًا، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمُتَوَطِّنِ فِيهَا قَبْلَ حَلِفِهِ، فَلَوْ دَخَلَهَا لِيَنْظُرَ إلَيْهَا هَلْ يَسْكُنُهَا أَوْ لَا، فَحَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا وَخَرَجَ فِي الْحَالِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةِ التَّحَوُّلِ قَطْعًا، وَالْمُرَادُ بِالسُّكُونِ الْحُلُولُ، لَا ضِدُّ الْحَرَكَةِ (فَإِنْ مَكَثَ بِلَا عُذْرٍ حَنِثَ) وَإِنْ قَلَّ كَمَا لَوْ وَقَفَ لِيَشْرَبَ مَثَلًا. وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ: " مَكَثَ سَاعَةً " لَمْ يُرِدْ بِهِ السَّاعَةَ الزَّمَانِيَّةَ، بَلْ مَتَى مَكَثَ حَنِثَ (وَإِنْ بَعَثَ مَتَاعَهُ) لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ سُكْنَاهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ، إذْ السُّكْنَى تُطْلَقُ عَلَى الدَّوَامِ كَالِابْتِدَاءِ، يُقَالُ: سَكَنَ شَهْرًا، وَتُسْتَعْمَلُ مَعَ الْمَتَاعِ وَدُونَهُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: بِلَا عُذْرٍ مَا لَوْ مَكَثَ لِعُذْرٍ كَأَنْ أُغْلِقَ عَلَيْهِ الْبَابُ، أَوْ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ، أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لَوْ خَرَجَ، أَوْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْخُرُوجِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْرِجُهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَوْ ضَاقَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَفَاتَتْ لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ جَارٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَوَجَدَهَا حَائِضًا ا هـ. وَلَوْ حَدَثَ عَجْزُهُ عَلَى الْخُرُوجِ بَعْدَ حَلِفِهِ فَكَالْمُكْرَهِ (وَإِنْ اشْتَغَلَ) بَعْدَ الْحَلِفِ (بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَجَمْعِ مَتَاعٍ، وَإِخْرَاجِ أَهْلٍ، وَلُبْسِ ثَوْبٍ لَمْ يَحْنَثْ) بِمُكْثِهِ لِذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَدَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا وَإِنْ طَالَ مُقَامُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ وَقَفَ فِيهَا لِغَلْقِ أَبْوَابِهِ وَإِحْرَازِ مَالِهِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْ يَسْتَنِيبُهُ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُرَاعَى فِي لُبْثِهِ لِثِقَلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ مِنْ غَيْرِ إرْهَاقٍ وَلَا اسْتِعْجَالٍ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى مَبِيتِ لَيْلَةٍ لِحِفْظِ مَتَاعٍ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى أَصَحِّ احْتِمَالَيْ ابْنِ كَجٍّ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ لُبْسَ الثَّوْبِ، وَقَيَّدَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِثَوْبِ الْخُرُوجِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِلُبْسِ ثِيَابٍ تَزِيدُ عَلَى حَاجَةِ التَّجَمُّلِ الَّتِي تُلْبَسُ لِلْخُرُوجِ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ عَادَ إلَيْهَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا حَالًا لِنَقْلِ مَتَاعٍ لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ الشَّاشِيُّ: إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ، وَهَذَا يُوَافِقُ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ عَادَ لِزِيَارَةِ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْكُثْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ نَقْلًا عَنْ تَعْلِيقِ الْبَغَوِيِّ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالُوا: فِيمَا لَوْ عَادَ الْمَرِيضُ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهَا فَإِنَّهُ إنْ قَعَدَ عِنْدَهُ حَنِثَ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَهُ مَارًّا فِي خُرُوجِهِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا خَرَجَ ثُمَّ عَادَ: أَيْ فَلَا يُعَدُّ سَاكِنًا؛ لِأَنَّ اسْمَ السُّكْنَى زَالَ عَنْهُ وَثَمَّ لَمْ يَخْرُجْ: أَيْ فَاسْمُ السُّكْنَى بَاقٍ عَلَيْهِ، وَلَهُ وَجْهٌ، وَلَكِنَّ الْأَوْجَهَ الْأَوَّلُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ حَلَفَ خَارِجَهَا ثُمَّ دَخَلَ لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَمْكُثْ، فَإِنْ مَكَثَ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَشْتَغِلَ بِجَمْعِ مَتَاعٍ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ حَلِفِهِ فَوْرًا ثُمَّ اجْتَازَهَا كَأَنْ دَخَلَ مِنْ بَابٍ وَخَرَجَ مِنْ آخَرَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهَا بِلَا غَرَضٍ حَنِثَ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْ أَرَادَ بِلَا أَسْكُنُهَا لَا أَتَّخِذُهَا مَسْكَنًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِهِ مَسْكَنًا.
المتن: وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ وَلِكُلِّ جَانِبٍ مَدْخَلٌ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ) أَيْ زَيْدًا مَثَلًا (فِي هَذِهِ الدَّارِ) أَوْ لَا يَسْكُنُ مَعِي فِيهَا، أَوْ لَا سَكَنْتُ مَعَهُ (فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا) مِنْهَا (فِي الْحَالِ) (لَمْ يَحْنَثْ) لِعَدَمِ الْمُسَاكَنَةِ، فَإِنْ مَكَثَ سَاعَةً حَنِثَ إلَّا أَنْ يَشْتَغِلَ بِنَقْلِ مَتَاعٍ، أَوْ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِيءُ مَا سَبَقَ مِنْ الْفُرُوقِ بَيْنَ الْخُرُوجِ بِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ وَعَدَمِهَا وَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الْمَحْلُوفُ عَلَى عَدَمِ مُسَاكَنَتِهِ لِصَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ حَانُوتٍ وَنَحْوِهَا، وَمَكَثَ الْحَالِفُ فِي الدَّارِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِبُعْدِهِ عَنْ الْعُرْفِ ا هـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَكَذَا لَوْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ) مِنْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلِكُلِّ جَانِبٍ) مِنْ الدَّارِ (مَدْخَلٌ) لَا يَحْنَثُ (فِي الْأَصَحِّ) لِاشْتِغَالِهِ بِرَفْعِ الْمُسَاكَنَةِ. وَالثَّانِي: يَحْنَثُ لِحُصُولِ الْمُسَاكَنَةِ إلَى تَمَامِ الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، وَنَسَبَاهُ إلَى الْجُمْهُورِ، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَنَقَلَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْبِنَاءُ بِفِعْلِ الْحَالِفِ أَوْ بِأَمْرِهِ، أَوْ بِفِعْلِهِمَا أَوْ بِأَمْرِهِمَا، فَلَوْ كَانَ بِأَمْرِ غَيْرِ الْحَالِفِ إمَّا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْحَالِفَ يَحْنَثُ قَطْعًا كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ، احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " فِي هَذِهِ الدَّارِ " عَمَّا لَوْ أَطْلَقَ الْمُسَاكَنَةَ، وَنَوَى أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ، وَلَوْ فِي الْبَلَدِ حَنِثَ بِمُسَاكَنَتِهِ وَلَوْ فِيهِ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَوْضِعًا حَنِثَ بِالْمُسَاكَنَةِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، فَإِنْ سَكَنَا فِي بَيْتَيْنِ يَجْمَعُهُمَا صَحْنٌ وَمَدْخَلُهُمَا وَاحِدٌ حَنِثَ لِحُصُولِ الْمُسَاكَنَةِ، لَا إنْ كَانَ الْبَيْتَانِ مِنْ خَانٍ وَلَوْ صَغِيرًا فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ اتَّحَدَ فِيهِ الْمَرَافِقُ وَتَلَاصَقَ الْبَيْتَانِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِسُكْنَى قَوْمٍ، وَبُيُوتُهُ تَنْفَرِدُ بِأَبْوَابٍ وَمَغَالِيقَ فَهُوَ كَالدَّرْبِ، وَلَا إنْ كَانَا مِنْ دَارِ كَبِيرَةٍ، وَإِنْ تَلَاصَقَا فَلَا حِنْثَ لِذَلِكَ، بِخِلَافِهِمَا فِي صَغِيرَةٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْكَبِيرَةِ، لَا فِي الْخَانِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ بَيْتٍ فِيهَا غَلَقٌ وَمَرْقًى، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا أَوْ سَكَنَا فِي صُفَّتَيْنِ فِي الدَّارِ، أَوْ بَيْتٍ وَصُفَّةٍ حَنِثَ، وَلَوْ انْفَرَدَ فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ بِحُجْرَةٍ مُنْفَرِدَةِ الْمَرَافِقِ كَالْمَرْقَى وَالْمَطْبَخِ وَالْمُسْتَحَمِّ وَبَابِ الْحُجْرَةِ فِي الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ انْفَرَدَ مِنْهُمَا بِحُجْرَةٍ كَذَلِكَ فِي دَارٍ، وَبِقَوْلِهِ: جِدَارٌ عَمَّا لَوْ أَرْخَى بَيْنَهُمَا سِتْرًا وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي جَانِبٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قَطْعًا. قَالَ الْمُتَوَلِّي: إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْخِيَامِ، فَإِنَّهُ إذَا أَحْدَثَ حَاجِزًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَسْكَنُ.
المتن: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا وَهُوَ فِيهَا أَوْ لَا يَخْرُجُ وَهُوَ خَارِجٌ فَلَا حِنْثَ بِهَذَا، أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ أَوْ لَا يَلْبَسُ أَوْ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَقُومُ أَوْ لَا يَقْعُدُ فَاسْتَدَامَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ حَنِثَ. قُلْت: تَحْنِيثُهُ بِاسْتِدَامَةِ التَّزَوُّجِ، وَالتَّطَهُّرِ غَلَطٌ لِذُهُولٍ، وَاسْتِدَامَةُ طِيبٍ لَيْسَتْ تَطَيُّبًا فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا وَطْءٌ وَصَوْمٌ وَصَلَاةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا) أَيْ الدَّارَ (وَهُوَ فِيهَا، أَوْ لَا يَخْرُجُ) مِنْهَا (وَهُوَ خَارِجٌ) (فَلَا حِنْثَ) فِي الصُّورَتَيْنِ (بِهَذَا) الْمَذْكُورِ مِنْ دُخُولٍ أَوْ خُرُوجٍ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ الِانْفِصَالُ مِنْ خَارِجٍ إلَى دَاخِلٍ وَالْخُرُوجُ عَكْسُهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الِاسْتِدَامَةِ، فَلِهَذَا لَا يُسَمَّى دُخُولًا وَلَا خُرُوجًا. نَعَمْ إنْ نَوَى بِعَدَمِ الدُّخُولِ الِاجْتِنَابَ فَأَقَامَ حَنِثَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ، أَوْ نَوَى بِعَدَمِ الْخُرُوجِ عَدَمَ نَقْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ حَنِثَ بِنَقْلِهِمَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُ هَذِهِ الْعَيْنَ وَهُوَ مَالِكُهَا فَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَتَزَوَّجُ) وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ (أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ) وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ (أَوْ لَا يَلْبَسُ) وَهُوَ لَابِسٌ (أَوْ لَا يَرْكَبُ) وَهُوَ رَاكِبٌ (أَوْ لَا يَقُومُ) وَهُوَ قَائِمٌ (أَوْ لَا يَقْعُدُ) وَهُوَ قَاعِدٌ (فَاسْتَدَامَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ) الْمُتَّصِفَ بِهَا مِنْ التَّزَوُّجِ إلَى آخِرِهَا (حَنِثَ) فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (قُلْت: تَحْنِيثُهُ) أَيْ الْمُحَرَّرِ بِمَسَائِلِ اسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: لَبِسْتُ يَوْمًا وَرَكِبْتُ يَوْمًا، وَهَكَذَا الْبَاقِي وَ (بِاسْتِدَامَةِ التَّزَوُّجِ وَالتَّطَهُّرِ غَلَطٌ) لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَجْزُومِ بِهِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ (لِذُهُولٍ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، وَهُوَ نِسْيَانُ الشَّيْءِ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ؛ إذْ لَا يُقَالُ: تَزَوَّجْتُ شَهْرًا بَلْ مِنْ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ قَبُولُ الْعَقْدِ. وَأَمَّا وَصْفُ الشَّخْصِ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ نَاكِحًا فُلَانَةَ مُنْذُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ اسْتِمْرَارُهَا عَلَى عِصْمَةِ نِكَاحِهِ، وَلَا يُقَالُ: تَطَهَّرْت شَهْرًا بَلْ مِنْ شَهْرٍ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ عَدَمِ الْحِنْثِ إذَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِدَامَةَ، فَإِنْ نَوَاهَا حَنِثَ لِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمَقْصُودَةِ بِيَمِينِهِ، قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ، وَلَوْ نَوَى بِاللُّبْسِ شَيْئًا مُبْتَدَأً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَاهُ، قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ (وَاسْتِدَامَةُ طِيبٍ لَيْسَتْ تَطَيُّبًا فِي الْأَصَحِّ) فَلَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَطَيَّبُ، إذْ لَا يُقَالُ: تَطَيَّبْتُ شَهْرًا، وَلِهَذَا لَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ أَحْرَمَ وَاسْتَدَامَ لَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ (وَكَذَا وَطْءٌ وَصَوْمٌ، وَصَلَاةٌ) بِأَنْ يَحْلِفَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَنَّهُ فِيهَا، أَوْ كَانَ أَخْرَسَ وَحَلَفَ بِالْإِشَارَةِ فَلَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهَا عَلَى الْأَصَحِّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا مَرَّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ إشْكَالٍ، إذْ يُقَالُ؛ صُمْتُ شَهْرًا وَصَلَّيْت لَيْلَةً، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ انْعِقَادُ النِّيَّةِ، وَالصَّوْمَ كَذَلِكَ كَمَا قَالُوا فِي التَّزَوُّجِ: إنَّهُ قَبُولُ النِّكَاحِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ إحْرَامًا صَحِيحًا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُصَلٍّ بِالتَّحَرُّمِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكُلُّ عَقْدٍ أَوْ فِعْلٍ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لَا تَكُونُ اسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ زَيْدًا فَاسْتَدَامَ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِالْحِنْثِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ شَرِكَةً مُبْتَدَأَةً، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ فَاسْتَدَامَ حَنِثَ قَطْعًا. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَغْصِبُ شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ بِاسْتِدَامَةِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. فَإِنْ قِيلَ يُقَالُ: غَصَبْتُهُ شَهْرًا أَوْ سَنَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ (يَغْصِبَ) يَقْتَضِي فِعْلًا مُسْتَقْبَلًا، فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا أُنْشِئُ غَصْبًا، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: غَصَبَهُ شَهْرًا فَمَعْنَاهُ: غَصَبَهُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا كَمَا أُوِّلَ قَوْله تَعَالَى: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} أَيْ أَمَاتَهُ وَأَلْبَثَهُ مِائَةَ عَامٍ أَوْ جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْغَصْبِ شَهْرًا، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ غَاصِبًا بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي فَمَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ وَهُوَ فِي السَّفَرِ قَاصِدًا بِحَلِفِهِ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ فَرَجَعَ فَوْرًا أَوْ وَقَفَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ مُسَافِرٌ أَيْضًا، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ ذُهُولٌ عَنْ الْمَنْقُولِ، فَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَعَلَّلَهُ لِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَخَذَ فِي تَرْكِ السَّفَرِ، وَهَذَا بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَكَلَامُهُ فِيمَا إذَا قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ كَمَا مَرَّ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ.
المتن: وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا حَنِثَ بِدُخُولِ دِهْلِيزٍ دَاخِلَ الْبَابِ، أَوْ بَيْنَ بَابَيْنِ لَا بِدُخُولِ طَاقٍ قُدَّامَ الْبَابِ، وَلَا بِصُعُودِ سَطْحٍ غَيْرِ مُحَوَّطٍ وَكَذَا مُحَوَّطٌ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ رِجْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ وَضَعَ رِجْلَيْهِ فِيهَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا حَنِثَ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ فَدَخَلَ وَقَدْ بَقِيَ أَسَاسُ الْحِيطَانِ حَنِثَ، وَإِنْ صَارَتْ فَضَاءً أَوْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا فَلَا.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا) مُعَيَّنَةً (حَنِثَ بِدُخُولِ دِهْلِيزٍ) لَهَا، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (دَاخِلَ الْبَابِ) الَّذِي لَا ثَانِيَ بَعْدَهُ، فَهُوَ بَيْنَ الْبَابِ وَالدَّارِ (أَوْ) كَانَ (بَيْنَ بَابَيْنِ) لِأَنَّهُ مِنْ الدَّارِ، وَمَنْ جَاوَزَ الْبَابَ عُدَّ دَاخِلًا، وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِدُخُولِ طَاقٍ) لِلدَّارِ (قُدَّامَ الْبَابِ)؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْهَا وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا لَا يُقَالُ لِمَنْ دَخَلَهُ: إنَّهُ دَخَلَهَا، وَفَسَّرَ الرَّافِعِيُّ الطَّاقَ بِالْمَعْقُودِ خَارِجَ الْبَابِ، وَهُوَ مَا يُعْمَلُ لِبَعْضِ أَبْوَابِ الْأَكَابِرِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلطَّاقِ بَابٌ يُغْلَقُ كَالدَّارِ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي: هُوَ مِنْ الدَّارِ مُسَقَّفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسَقَّفٍ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَأَقَرَّهُ. وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ؛ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعُرْفِ لَيْسَ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ خَارِجًا عَنْ الْعُرْفِ (وَلَا) يَحْنَثُ جَزْمًا (بِصُعُودِ سَطْحٍ) مِنْ خَارِجِهَا (غَيْرِ مُحَوَّطٍ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلَ الدَّارِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ حَاجِزٌ يَقِي الدَّارَ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ، فَهُوَ كَحِيطَانِهَا (وَكَذَا) سَطْحٌ (مُحَوَّطٌ) مِنْ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعِ بِخَشَبٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لَا يَحْنَثُ بِصُعُودِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي يَحْنَثُ لِإِحَاطَةِ حِيطَانِ الدَّارِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ السَّطْحُ مُسَقَّفًا كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَإِلَّا حَنِثَ قَطْعًا إذَا كَانَ يَصْعَدُ إلَيْهِ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَبْنِيَتِهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسَقَّفُ بَعْضَهُ وَدَخَلَ فِي الْمَكْشُوفِ. وَقَالَ: إنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ عَدَمُ الْحِنْثِ وَيُرَدُّ ذَلِكَ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ (وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ رِجْلَهُ) فِيهَا (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهُوَ مُعْتَكِفٌ وَلَمْ يُعَدَّ خُرُوجًا مُبْطِلًا لِلِاعْتِكَافِ (فَإِنْ وَضَعَ رِجْلَيْهِ فِيهَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا) وَبَاقِي بَدَنِهِ خَارِجٌ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى دَاخِلًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا عَمَّا لَوْ أَدْخَلَ رِجْلًا فَقَطْ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا، وَعَلَى الْخَارِجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ، فَإِنْ اعْتَمَدَ عَلَى الدَّاخِلَةِ فَقَطْ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ الْخَارِجَةَ لَمْ يَسْقُطْ فَهُوَ كَمَا لَوْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا كَمَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ، وَمَا لَوْ مَدَّ رِجْلَيْهِ فِيهَا، وَهُوَ قَاعِدٌ خَارِجَهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ دَاخِلًا، وَلَوْ تَعَلَّقَ بِحَبْلٍ أَوْ جِذْعٍ فِي هَوَائِهَا وَأَحَاطَ بِهِ بُنْيَانُهَا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلَا إحْدَاهُمَا، لِأَنَّهُ يُعَدُّ دَاخِلًا، فَإِنْ ارْتَفَعَ بَعْضُ بَدَنِهِ عَنْ بُنْيَانِهَا لَمْ يَحْنَثْ (وَلَوْ انْهَدَمَتْ فَدَخَلَ، وَقَدْ بَقِيَ أَسَاسُ الْحِيطَانِ حَنِثَ)؛ لِأَنَّهَا مِنْهَا كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ: إنْ بَقِيَتْ أُصُولُ الْحِيطَانِ وَالرُّسُومِ حَنِثَ وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَقَاءُ شَاخِصٍ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ الْأَسَاسَ هُوَ الْبِنَاءُ الْمَدْفُونُ فِي الْأَرْضِ تَحْتَ الْجِدَارِ الْبَارِزِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَكَأَنَّ الرَّافِعِيَّ وَالْمُصَنِّفَ لَمْ يُمْعِنَا النَّظَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ ا هـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُكْمَ دَائِرٌ مَعَ بَقَاءِ اسْمِ الدَّارِ وَعَدَمِهِ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ. فَقَالَ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ: إذَا انْهَدَمَتْ فَصَارَتْ سَاحَةً لَمْ يَحْنَثْ. أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْهَا مَا تُسَمَّى مَعَهُ دَارًا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا. تَنْبِيهٌ: كُلُّ هَذَا إذَا قَالَ: لَا أَدْخَلُ هَذِهِ الدَّارَ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَدْخَلُ هَذِهِ حَنِثَ بِالْعَرْصَةِ، وَإِنْ قَالَ دَارًا لَمْ يَحْنَثْ بِفَضَاءِ مَا كَانَ دَارًا، وَهَذِهِ تَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهُ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَصْلِهَا بِقَوْلِهِ دَارًا، لَكِنَّ مُرَادَهُ هَذِهِ الدَّارُ، وَلِهَذَا قَدَّرْتُ فِي كَلَامِهِ مُعَيَّنَةً (وَإِنْ صَارَتْ) تِلْكَ الدَّارُ الْمَحْلُوفُ عَلَى دُخُولِهَا (فَضَاءً) بِالْمَدِّ وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا السَّاحَةَ الْخَالِيَةَ مِنْ بِنَاءٍ (أَوْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا فَلَا) يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا لِزَوَالِ مُسَمَّى الدَّارِ وَحُدُوثِ اسْمٍ آخَرَ لَهَا. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى كَلَامِهِ انْحِلَالُ الْيَمِينِ بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ أُعِيدَتْ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ أُعِيدَتْ بِآلَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ أُعِيدَتْ بِآلَتِهَا الْأُولَى فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ الْحِنْثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا مُخْتَارًا وَلَا مُكْرَهًا وَلَا نَاسِيًا حَنِثَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَمَلًا بِتَعْلِيقِهِ فَلَوْ انْقَلَبَ الْحَالِفُ مِنْ نَوْمِهِ بِجَنْبِ الدَّارِ فَحَصَلَ فِيهَا أَوْ حُمِلَ إلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ لَمْ يَحْنَثْ، إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي الْأُولَى وَلَا فِعْلَ مِنْهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ حُمِلَ إلَيْهَا بِأَمْرِهِ حَنِثَ كَمَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَدَخَلَهَا.
المتن: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ حَنِثَ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهَا بِمِلْكٍ، لَا بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ وَغَصْبٍ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَسْكَنَهُ، وَيَحْنَثُ بِمَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَسْكُنُهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَسْكَنَهُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ حَنِثَ بِدُخُولِ مَا) أَيْ دَارٍ (يَسْكُنُهَا بِمِلْكٍ) سَوَاءً أَكَانَ مَالِكًا لَهَا عِنْدَ الْحَلِفِ أَمْ بَعْدَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ: لَا أَدْخَلُ دَارَ الْعَبْدِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَسْكَنِهِ الْآنَ، بَلْ بِمَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، أَوْ دَارًا تُعْرَفُ بِهِ كَدَارِ الْعَدْلِ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا، وَ (لَا) يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهَا (بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ وَغَصْبٍ) وَوَصِيَّةٍ بِمَنْفَعَتِهَا وَوَقْفٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِضَافَةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ تَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ كَانَ إقْرَارًا لَهُ بِالْمِلْكِ حَتَّى لَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِهِ مَا يَسْكُنُهَا لَمْ يُقْبَلْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ بِغَيْرِهَا خِلَافًا لِلْقَاضِي فِي قَوْلِهِ إنَّهُ إذَا حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَسْكَنِ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) بِدَارِهِ (مَسْكَنَهُ) فَيَحْنَثُ بِالْمُعَارِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَمْ يُعْرَفْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ اقْتَرَنَتْ بِهِ النِّيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} الْمُرَادُ بُيُوتُ الْأَزْوَاجِ اللَّاتِي يَسْكُنَّهَا (وَيَحْنَثُ بِمَا يَمْلِكُهُ) زَيْدٌ (وَلَا يَسْكُنُهُ) لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي دَارِ زَيْدٍ حَقِيقَةً، هَذَا إذَا كَانَ يَمْلِكُ الْجَمِيعَ. فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ بَعْضَ الدَّارِ فَظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَثُرَ نَصِيبُهُ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ، الْأَصْحَابُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) بِدَارِهِ (مَسْكَنَهُ) فَلَا يَحْنَثُ بِمَا لَا يَسْكُنُهُ عَمَلًا بِقَصْدِهِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: بِمَا يَمْلِكُهُ أَوْ لَا يَمْلِكُهُ، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ دَارٌ أَوْ سُوقٌ أَوْ حَمَّامٌ مُضَافٌ إلَى رَجُلٍ كَسُوقِ أَمِيرِ الْجُيُوشِ بِمِصْرَ، وَخَانِ الْخَلِيلِيِّ، وَسُوقِ يَحْيَى بِبَغْدَادَ، وَخَانِ يَعْلَى بِقَزْوِينَ، وَسُوقِ السَّخِيِّ بِدِمَشْقَ، وَدَارِ الْأَرْقَمِ بِمَكَّةَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَكَذَا دَارُ الْعَقِيقِيِّ بِدِمَشْقَ ا هـ. وَدَارُ الْعَقِيقِيِّ هِيَ الْمَدْرَسَةُ الظَّاهِرِيَّةُ. قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ، فَيَحْنَثُ بِدُخُولِ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ تُضَافُ إلَيْهِ مَيِّتًا لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْإِضَافَةِ عَلَى الْمِلْكِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْرِيفِ.
المتن: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فَبَاعَهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا فَدَخَلَ وَكَلَّمَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَقُولَ دَارِهِ هَذِهِ أَوْ زَوْجَتَهُ هَذِهِ أَوْ عَبْدَهُ هَذَا فَيَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَا دَامَ مِلْكُهُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ) مَثَلًا (أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ أَوْ زَوْجَتُهُ فَبَاعَهُمَا) أَيْ الدَّارَ وَالْعَبْدَ أَوْ بَعْضَهُمَا بَيْعًا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ أَوْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ بَعْضِهِمَا بِغَيْرِ الْبَيْعِ (أَوْ طَلَّقَهَا) أَيْ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا (فَدَخَلَ) الدَّارَ (وَكَلَّمَ) الْعَبْدَ أَوْ الزَّوْجَةَ (لَمْ يَحْنَثْ) تَغْلِيبًا لِلْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ دَارِهِ وَلَمْ يُكَلِّمْ عَبْدَهُ وَلَا زَوْجَتَهُ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَالزَّوْجِيَّةِ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَكَلَّمَ الزَّوْجَةَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ، وَلَوْ لَمْ يَزُلْ الْمِلْكُ بِالْبَيْعِ لِأَجْلِ خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ حَنِثَ إنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ وَفَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ، فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ فَيَتَبَيَّنُ حِنْثُ الْحَالِفِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَأَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ بَعْضِهِمَا بَدَلَ فَبَاعَهُمَا لَكَانَ أَوْلَى وَأَعَمَّ لِتَدْخُلَ الْهِبَةُ وَغَيْرُهَا (إلَّا أَنْ يَقُولَ) الْحَالِفُ (دَارِهِ هَذِهِ أَوْ زَوْجَتَهُ هَذِهِ أَوْ عَبْدَهُ هَذَا فَيَحْنَثُ) تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ، اللَّهُمَّ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) الْحَالِفُ بِمَا ذَكَرَ (مَا دَامَ مِلْكُهُ) عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ مَعَ الْإِشَارَةِ إذَا دَخَلَ الدَّارَ أَوْ كَلَّمَ الْعَبْدَ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ أَوْ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ، وَمِثْلُ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْعَبْدِ مَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدًا فَكَلَّمَ مُبَعَّضًا، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ حُرًّا أَوْ لَا يُكَلِّمُ حُرًّا وَلَا عَبْدًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرَةً وَلَا رُطَبَةً فَأَكَلَ مُنَصَّفَةً، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ اشْتَرَى زَيْدٌ بَعْدَ الدَّارِ دَارًا أُخْرَى لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ بِدُخُولِهَا إنْ أَرَادَ الدَّارَ الْأُولَى، وَإِنْ أَرَادَ أَيَّ دَارٍ تَكُونُ فِي مِلْكِهِ حَنِثَ بِالثَّانِيَةِ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَيَّ دَارٍ جَرَى عَلَيْهَا مِلْكُهُ حَنِثَ بِهِمَا، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ آخِرَ الْبَابِ عَنْ الْحَلِيمِيِّ أَنَّ الْإِضَافَةَ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا يُمْلَكُ فَالِاعْتِبَارُ بِالْمَالِكِ أَوْ بِمَا لَا يَمْلِكُ فَالِاعْتِبَارُ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ، حَنِثَ بِالْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ وَبِالْمُتَجَدِّدِ اعْتِبَارًا بِالْمَالِكِ، وَإِنْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ وَلَدَ فُلَانٍ حَنِثَ بِالْمَوْجُودِ دُونَ الْمُتَجَدِّدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْيَمِينَ تَنْزِلُ عَلَى مَا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قُدْرَةٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَمَسُّ شَعْرَ فُلَانٍ فَحَلَقَهُ فَنَبَتَ شَعْرٌ آخَرُ فَمَسَّهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ هَذَا أَصْلُ الشَّعْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ هُوَ غَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِلْكُهُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ دَامَ، وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُهَا وَالْخَبَرُ أَوْ الِاسْمُ مَحْذُوفٌ.
المتن: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا مِنْ ذَا الْبَابِ فَنُزِعَ وَنُصِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ بِالثَّانِي، وَيَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا) أَيْ الدَّارَ (مِنْ ذَا الْبَابِ فَنُزِعَ) مِنْ مَحِلِّهِ (وَنُصِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا) أَيْ الدَّارِ (لَمْ يَحْنَثْ بِالثَّانِي) أَيْ بِالدُّخُولِ مِنْ الْمَنْفَذِ الثَّانِي (وَيَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا حَمْلًا لِلْيَمِينِ عَلَى الْمَنْفَذِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الدُّخُولِ دُونَ الْمَنْصُوصِ الْخَشَبِ وَنَحْوِهِ. وَالثَّانِي عَكْسُهُ حَمْلًا عَلَى الْمَنْصُوبِ. وَالثَّالِثُ: لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَمْلًا عَلَى الْمَنْفَذِ وَالْمَنْصُوبِ مَعًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يَسُدَّ الْأَوَّلَ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَيَّدَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ بِمَا إذَا سَدَّ الْأَوَّلَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَمِلَ عَلَيْهِ قَطْعًا وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: مِنْ ذَا الْبَابِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ عَمَّا لَوْ قَالَ: لَا أَدْخُلُهَا مِنْ بَابِهَا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْبَابِ الثَّانِي فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ بَابِهَا.
المتن: أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا حَنِثَ بِكُلِّ بَيْتٍ مِنْ طِينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ خَشَبٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَلَا يَحْنَثُ بِمَسْجِدٍ وَحَمَّامٍ وَكَنِيسَةٍ وَغَارِ جَبَلٍ.
الشَّرْحُ:
فَرْعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ عَلَى سَرْجِ هَذِهِ الدَّابَّةِ فَرَكِبَ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى حَنِثَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ) أَوْ لَا يَسْكُنُ (بَيْتًا) وَلَا نِيَّةَ لَهُ (حَنِثَ) بِالدُّخُولِ أَوْ السُّكْنَى (بِكُلِّ بَيْتٍ مِنْ طِينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ خَشَبٍ) أَوْ قَصَبٍ مُحْكَمٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (أَوْ خَيْمَةٍ) وَنَحْوِهَا؛ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَالِفُ حَضَرِيًّا أَمْ بَدَوِيًّا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْتِ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ حَقِيقَةً فِي اللُّغَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ. تَنْبِيهٌ: : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخَيْمَةَ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ التَّصْوِيرُ بِمَا إذَا اُتُّخِذَتْ مَسْكَنًا، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْإِيضَاحِ. قَالَ: فَأَمَّا مَا يَتَّخِذُهَا الْمُسَافِرُ وَالْمُجْتَازُ لِدَفْعِ الْأَذَى فَلَا تُسَمَّى بَيْتًا، وَمَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَوَى نَوْعًا مِنْهَا انْصَرَفَ إلَيْهَا، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا تَلَفَّظَ بِالْبَيْتِ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَلَوْ حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ كَأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ دَارَ خَانَةٍ لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِ الْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَجَمَ لَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَبْنِيِّ، نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (وَلَا يَحْنَثُ) عَلَى الْمَذْهَبِ (بِمَسْجِدٍ) وَكَعْبَةٍ (وَ) بَيْتٍ (حَمَّامٍ) وَرَحًى (وَكَنِيسَةٍ وَغَارِ جَبَلٍ) لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْتًا عُرْفًا، فَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِتَسْمِيَةِ الْمَسْجِدِ بَيْتًا، فِي قَوْله تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} وَلَا بِتَسْمِيَةِ الْكَعْبَةِ بَيْتًا، فِي قَوْله تَعَالَى: {وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ} كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ فَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا بِسَاطًا، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عِنْدَ سِرَاجٍ فَجَلَسَ عِنْدَ الشَّمْسِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا سِرَاجًا. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْغَارَ، وَمَحِلُّهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فِي غَارٍ لَمْ يُتَّخَذْ لِلسُّكْنَى. فَأَمَّا مَا اُتُّخِذَ مِنْ ذَلِكَ مَسْكَنًا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمُرَادُ بِالْكَنِيسَةِ مَوْضِعُ تَعَبُّدِهِمْ. أَمَّا لَوْ دَخَلَ بَيْتًا فِي الْكَنِيسَةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قَطْعًا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ سَاحَةِ الْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ وَنَحْوِهِمَا. وَكَذَا الْإِيوَانُ فِيمَا يَظْهَرُ وَيَحْنَثُ بِدُخُولِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمَا.
المتن: أَوْ لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ بَيْتًا فِيهِ زَيْدٌ وَغَيْرُهُ حَنِثَ، وَفِي قَوْلٍ إنْ نَوَى الدُّخُولَ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ لَمْ يَحْنَثْ، فَلَوْ جَهِلَ حُضُورَهُ فَخِلَافُ حِنْثِ النَّاسِي. قُلْت: وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَاسْتَثْنَاهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَطْلَقَ حَنِثَ فِي الْأَظْهَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ بَيْتًا فِيهِ زَيْدٌ وَغَيْرُهُ) عَالِمًا بِذَلِكَ ذَاكِرًا لِلْحَلِفِ مُخْتَارًا (حَنِثَ) مُطْلَقًا فِي الْأَظْهَرِ لِوُجُودِ صُورَةِ الدُّخُولِ عَلَيْهِ (وَفِي قَوْلٍ إنْ نَوَى الدُّخُولَ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ لَمْ يَحْنَثْ) كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّلَامِ الْآتِيَةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَمْتَنِعُ فِي الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَقْوَالِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْكُمْ إلَّا زَيْدًا، وَيَصِحُّ سَلَّمْتُ عَلَيْكُمْ إلَّا زَيْدًا، وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ دَارًا، فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً يَفْتَرِقُ الْمُتَبَايِعَانِ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ (فَلَوْ جَهِلَ حُضُورَهُ) أَيْ زَيْدٍ فِي الْبَيْتِ (فَخِلَافُ حِنْثِ النَّاسِي) وَالْجَاهِلِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الطَّلَاقِ، وَالْأَصَحُّ فِيهِمَا عَدَمُ الْحِنْثِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا أَطْلَقَ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ عَامِدًا وَلَا نَاسِيًا حَنِثَ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ نَاسِيًا قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ (قُلْت: وَلَوْ). (حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ) وَعَلِمَ بِهِ (وَاسْتَثْنَاهُ) لَفْظًا أَوْ نِيَّةً (لَمْ يَحْنَثْ) فِي الْأُولَى جَزْمًا، وَلَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسَلَّمًا عَلَيْهِ (وَإِنْ أَطْلَقَ حَنِثَ فِي الْأَظْهَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْعَامَّ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ مَا لَمْ يُخَصَّصْ، وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْجَمِيعِ وَلِلْبَعْضِ، فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ، فَإِنْ قَصَدَهُ حَنِثَ قَطْعًا أَوْ جَهِلَهُ فِيهِمْ لَمْ يَحْنَثْ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: يَأْتِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ وَزَيْدٌ مِنْ الْمُؤْتَمِّينَ بِهِ كَذَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ السَّلَامُ الْخَاصُّ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْأُنْسُ وَزَوَالُ الْهِجْرَانِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي السَّلَامِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَخَذَهُ مِنْ الشَّامِلِ وَهُوَ بَحْثٌ لَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ ا هـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا قَصَدَهُ بِالسَّلَامِ وَكَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ التَّحَلُّلَ أَوْ أَطْلَقَ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ خَارِجٌ عَنْ الْعُرْفِ. ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ أَمْ لَا كَمَا فِي قِرَاءَةِ الْآيَةِ الْمُفْهِمَةِ ا هـ. وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا سَمِعَ سَلَامَهُ، فَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَبَعُدَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ سَلَامَ الْمُسَلِّمِ عَلَيْهِ.
|